الموكب المتناقض

الموكب المتناقض
الله يـقـــضــــي للـحـــيــــــاةِ إرادةً
والأمــــرُ مـن فَرطِ الــولاءِ مُجــابُ
والروحُ تسمو عند الـ”كنْ” قائلةً:
الله ربـــي قـــــــادرٌ وهَّــــــــابُ(1)
والأرض أمُّ الخلــقِ قد صِيغَــتْ لـه
بـالـبـيِّـنـــاتِ وكُلُّــــــهـنَّ تــــــرابُ
والـبـيِّـنـــات عــناصـــر ٌومَشـــاربٌ
ولكلّ ِأرضٍ في الوجــــودِ نِصــابُ
والأرضُ أبــدعَــهــا العـظـيمُ غـنـيـةً
مــن كــلِّ لـــونٍ مَـأْكــلٌ وشـــرابُ
والكـــائـنـاتُ مــن الــثـرى قَـدْ لُوِّنَتْ
فـي أيِّ صـــوبٍ مَـنـبِـتٌ ورِحــابُ
لكــنَّــهم والطــيــنُ شــــكَّلَ أَصـلـهُم
في نهـجِـهـم ومسارِهم أغرابُ(2)
بــعـضُ الخـلائـــقِ مــن يَهُـمُّ بغيـرِهِ
مثــلَ الوحــوشِ ثـعــالبٌ وذئـــابُ
فــإذا تـغــافـــلَ غــافِــلٌ عــن حــقِّــهِ
تُسْــــتَلُّ فــي جَـنَـــبَـاتِــهِ أنــيــابُ
ومــن الــورى مــن تـصـطفيهِ قَناعَة
في الحمدِ يُغدى ذكـــــــرَه ويُؤابُ
ويـعـيــشُ فــي لُـجَـجِ الحيـاةِ كـــــأنَّهُ
عــن غِــيِّـها ومـتـــاعِــهِـا تــوَّابُ
والــبـعــضُ يـرتَشِـفُ المهانةَ صاغراً
لــمـــودةٍ أو غـــايــــةٍ كسَّــــــابُ
فــــإذا تَــحَــقَــــقَ لـــلأذِلـَــةِ مــــــأربٌ
تزدان في نهجِ العفـــــــافِ ثيابُ
لكــنهــم أنَّــى يكــــونُ مصــيــــرَهُـــــم
في المُحْكَــــــــماتِ نوابذٌ أغرابُ
وترى الشوامخَ من يعضُّ على الطـوى
ويُعانِدُ الإِمــلاقَ وهـــو عــــذابُ
فـيـظــلُّ مــوفــورَ الكـــــــرامةِ ظافــراً
بالـفـخــرِ تـهـنَـأُ رُوحُــه وتُثــابُ
وتــثــورُ عـــزَّتُــه وتــزبــدُ حــيـثـمــا
في الإفكِ يسعــــى غيرُه ويُجابُ
ومــن الــبــريِّــةِ مــن يُــعـــدِّدُ ربَّــــهُ
والشركُ شــــــــرعٌ فيهُمُ وكتابُ
ويــنــالُ من دنـيـا الفســــادِ دنـــاءةً
فيسُـــودُ فـيـها الوغـدُ والكــذَّابُ
ويهيــــــمُ يـبـنـي للـجـمـاعـةِ أنظما
والخُلقُ من دونِ الحِسابِ سـَـرابُ(3)
فـإذا بـنـيــتَ الصــــرحَ فـي آفــاتِهِ
فكأَنَّما يـبـنـي الصـــــروحَ خـرابُ (4)
فالـمـفـسـداتُ قـــرائــنٌ وثــوابــتٌ
ولكـــــــلِّ شــــأنٍ فــي الأنــامِ كــتــابُ
اللـــهُ ربٌّ لا إلــــهــــاً غــــيـــــرَهُ
نــهــجُ التوحُّـــــدِ شـــأنُهُ الأهّـابُ (5)
بعض الشــعـوبِ إذا تبــدَّلَ خُلْقُها
تـفَــتَــحَــــت فــي غــيِّــــها أبــــــوابُ
تســـعى لِنُكــــرانِ الإلـــهِ حَمَـاقةً
وتُشـــيــعُ كُفــــراً قــالـــهُ الكـــتَّــــابُ
لــكــنــه ربٌّ حــكـــيـــــــمٌ مُـنـذرٌ
يـتَــمـهــلُ الأقــــوامَ حــيـــنَ تُعــــابُ
فــلــقــد أحَـــاقَ بســخطِهِ إرَمَـــاً
واشـــتــدَّ فــيــهُــــمْ بأسَـــهُ وعــذابُ
ومن القبائلِ من تُــزلـزَلُ أرضُها
لتمورَ في أعقابِها الأعقـــــــــابُ (6)
أصنــامُها دونَ الإلـهِ مَــلاذُهُـــا
والـنـهــــجُ فــيـهــا فــاجـــرٌ كــــذَّابُ
فإذا استطاعَت أن تنالَ مكــــانة
والعلـــــمُ فـــيـها مــتــرفٌ خــــــلابُ
ستَثورُ في قلــــــبِ الديارِ إرادةٌ
ويعيثُ في صرحِ الصـــــروحِ خرابُ
فالشـــركُ إثــمٌ لا جــريـمـة َبعدَهُ
واللهُ مــنــه بِـمـقـتِـهِ خَضَّـــــابُ(7)
ولــنــا بأحـــداثِ الــدمــارِ قضية
فــي كــلِّ عـهـــدٍ نــكــبــةٌ وعـقابُ
وإذا الـيـهـودُ تـمـيـــزوا بـتـقــدمٍ
وتــرنَّـحـت بِــخِــداعِهِــــم أعـتـابُ
سيجيءُ من خلفِ الزمانِ توعدٌ:
خزيٌ وذلٌّ وعْدَهُـــــــم وعذابُ(8)
فلقد حَظَوْا بالطيباتِ وفُضِّـــــلوا
والمَنُّ أُنْزِل َدونـَهـــم وشرابُ (9)
لكنهـــم لـمــا أصـــابــوا نـعـمة
من يَمِّ موسى غرَّهُمْ إعجابُ(10)
جاؤوا بعجلٍ قد دَعَوهُ إلاهَهُـــم
والربُّ أعـفـى إنَّــه الـتوابُ (11)
سيسومَهم سوءَ العذابِ لأنَّهـم
في قَتلهم للأنبيـاءِ تَحَــابوا (12)
وعدٌ عليهِ أنْ يشتتَ شملهُــــم
والــوعــدُ حــقٌ نافــذ ٌ ومُهـــابُ
واليوم نـُصْلى من مرارةٍ غلـِّهمْ
وكــأنها تَـتَوالد الأحقــابُ (13)
درسٌ من الجبـَّـارِ قد صيغَتْ له
بالـبـيــِّـنـاتِ ثــوابــتٌ وكــتـــابُ
وندير ظهراً للثوابتِ كـــــــــلِّها
ونُغافلُ التاريخَ وهو جـــــــوابُ
ونَهيــــــــمُ نسعى للسلامِ كأننّا
نَسْتَصحِبُ الحِمــلانَ وهي ذئاب ُ
يا ربُ قــد أبــدعــتـــَنــا فـــِرَقاً
والأصـــلُ طـيـنٌ واحــلٌ وتـرابُ
وجعلت منـَّا موكِــــباً متناقضاً
يمضي لأمرٍ يبتَليهِ حســــــــابُ
الله يا مجــــري النجومَ بدربِها
يـدعـو لعـفـوكَ بائسٌ ومُعـــابُ
لا تَجْـزِني سوءَ العذابِ جريرة
فالإثمُ من خُبـثِ الرَجيم ِعقـــابُ
سبْحـــانَ ربي قد دعوت ُإرادة
للعــفـو فـيها مـوطِـنٌ ومُـــؤاب ُ
ورجــاءُنا بشــفاعــةٍ يـوم اللقا
مــن ربِّ أحمــد َ إنــه الــتــوابُ

هوامش:

 1. المحكمات: القواعد الأخلاقية العامة.

 2. الدناءة: ثبت علمياً احتواء لحم الخنزير على هرمون أو عناصر تضيع الإحساس بالنخوة والعزة والكبرياء.

 3 .” يبني للجماعة أنظماً “: يضع لمجتمعه النظم والنظريات الاجتماعية المجردة من الضوابط الأخلاقية.

 4. “الصرح في آفاته”: الحضارة القائمة على أساس مريض اجتماعياً وخلقياً.

 5. الأهاب: المخيف، الجليل، العظيم.

 6 . يمور: يثور ويضطرب.

7 . بمقته خضَّاب: مقت الله الشديد أو غضبه الشديد سبحانه.

 8 . الآية 84 – البقرة “فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب”.

 9 . (( الآيات 46 – 56 – البقرة )) “إني فضلتكم على العالمين”،،،” … وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم”.

 10 . (( الآية 49 – البقرة )) ” وإذا فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون”.

 11 . ((الآيتان 50 – 51 – البقرة)) “ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون * ثم عفونا عنكم بعد ذلك لعلكم تشكرون”.

 12 . ((من الآية 61 – البقرة)) “…. ويقتلون النبيين بغير حق”، تحابوا : تآمروا.

 13 . تتوالد الأحقاب: الأيام تعيد نفسها.

 

هذه المقالة كُتبت في التصنيف وجدانية. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *