السقوط الحر

السقوط الحر..

لعل الطبيعة التي أسقطت التفاحة تحت أمها شجرة التفاح وجعلت إسحق نيوتن يضع قانون الجاذبية الأرضية وهو ــ كما هو معروف ــ  واحد من أعظم القوانين العلمية في العصر الحديث، لم تكن تريد أن يتوصل نيوتن إلى هذه الحقيقة العلمية وإنما أرادت أن تجسد حقيقة أو قانونا آخر هو أكثر موضوعية وعلمية وعمقا مما اكتشفة (المستر) نيوتن الذي لم يعط فيما وضعه من قوانين إلا ما يتصل بالشأن العلمي الجاذبي.

إن تفاحة نيوتن عندما سقطت من تلقاء نفسها إنما سقطت نتيجة لانتهاء الرابط التعايشي بينها وبين أمها الشجرة التي ظلت ممسكة بها وتحملها منذ أن كانت برعما ضئيلا إلى أن أصبحت زهرة ثم تلاقحت ثم عقدت ونمت أياما وأسابيع حتى كبرت ونضجت ولما بلغت هذا المعدل من العمر ضعف العود الذي أمدها بكل ما احتاجت إليه من عناصر ومكونات وناله الوهن فتخلت الأم عن ثمرتها لتعيدها إلى الأرض الأم الكبرى التي شكلتها بالأساس .

(لافوازييه) عالم الفيزياء الفرنسي الشهير يقول ما معناه (أن لا شيء يبيد ولا شيء يخلق من جديد)، إذ أن الشجرة هنا والتي أبدعها الخالق المجيد عندما أعادت الثمرة إلى الأرض إنما أرادت أن تعيد إليها العناصر التي أخذتها منها منذ البداية وحتى النهاية.

والطير الذي يعيش جلّ حياته بين ثنايا التيارات الهوائية في الفضاء لا تسقطه إلى الأرض قوانين نيوتن إذا بلغ الأجل الذي كتبه الله له في كتابه من العمر كما أنه لا يفنى بين هذه التيارات وتنثر مكونات جسده من العناصر في الفضاء إنما يسقط إلى الأرض معيدا لهذه الأم ما أعطته إياه بقدرة الله العظيم .

حتى حيوان البحر الذي يقضي العمر سابحا بين أمواجه وتياراته عندما تختل قواعد حياته فإنه لا يذهب حطاما تبددها طيات هذه الأمواج إنما يسقط إلى قيعان البحار والمحيطات حيث الأرض التي تريد أن تسترد ما أعطته من مكونات وعناصر عندما خلقه الله، وكذلك الغصن الذي يتطاول أكثر من مقدرة الشجرة على حمله،، وغير ذلك الكثير الكثير، فالأمثلة عديدة بعدد مخلوقات الباري عز وجل وكلها تشير إلى حقيقة سقوط هذا الكائن أو ذاك إلى الأرض نتيجة للإخلال في قواعد الاستمرار في الحياة .

إن الأساس في السقوط كما يمكننا أن نلاحظ مما سبق هو الخلل في القواعد التي تستوجب الاستمرار في الوقوف، والسقوط في جميع الأحوال هو إلى الأرض حيث الأصل الطبيعي لما خلق الجبار العظيم عز وجل.

ولأن عملية الخلق هي إبداع تام كامل لا عيب فيه ولا ريب أحكمه بديع قدير فإن ما يصح على السقوط المادي يصح أيضا على السقوط الأخلاقي أو الروحي وفي ذلك آيات بينات شكلت منهجا أخلاقيا عظيما أرادنا رب العالمين أن نعبده من خلاله، أساسه وجوهره مكارم الأخلاق، إلا أن الفارق هنا أن الخلل في القواعد الأخلاقية لا يوجب السقوط إلى الأرض بل على العكس فالقاعدة الأولى هي قاعدة كليّة تجمع تاريخ المخلوق في لوحه المحفوظ أما القاعدة الثانية فهي قضية تراكمية يضع تفاصيلها سلوك المخلوق بالنسبة إلى منهج الخالق جل وعلا سبحانه.

السقوط الحر!!!!
ليسَ السقوطُ سقوطَ الحــبِّ عنْiشجرِ
إنّ الـسـقـوطَ لـذاتِ الـنـفـسِ والـفِكرِ
والـسـاقـطون مع الأوجاعِ مَحشَرُهُم
فـي مَـحْـسِبِ العزِّ والحسبانِ والخَبرِ
والـهـونُ يـكـبـرُ مـا انفكَّــت عقائدُنا
تـبـنـى بـغـيـرِ حسابِ الإرثِ والأثر
الارتــفــاعُ بــلا أرضٍ تــعـاضِـــدُه
ضـربٌ مـن الهونِ والإكبارِ والبَطَر
فـالأرضُ أمٌّ مـن الأحـشـاءِ تُـوزِعُـنا
أن نـصطفي الحقَّ نسغَ البِرِّ والبَرَر
لــكــنــنــا أبــداً نــنـحـو بـغـفـلـتِـنـا
عـن مـرتـعٍ نَـضـرٍ،، بالغيِّ والخدر
فـالـطـيـرُ يَضربُ في العلياءِ أجنحة
لــكــنَّــه أبــداً لــلأرضِ فـي خُـسُـر
والـسَّـابِـحـاتِ مـع الأمـواجِ مـوئـلِها
فـي الـمـظـلماتِ من القيعانِ والحُفَر
حـتـى الـغـصـونُ إذا ماامتدَّ جانِحُها
الله يــقــصِــفــهــا فـي فـجـأةِ الـقَـدَر
لا تــأنـَســنَّ مــن الأيـامِ فـسْـحَـتـهـا
فــالآتــيــاتُ مــع الأيـامِ فـي قِـصَـر
الـمـجـدُ أعـظَـمُـهُ إن كـنت َمُدرِكُهُ
نــهـجٌ يُـكـابـدُنـا مـن كـثـرةِ الـعَـثـر
كم عثرَةٍ حرصتْ في الدربِ تُسْقِطنا
الـمـجـدُ يـحـسِـبُها عوناً على الظـَفر

   

هذه المقالة كُتبت في التصنيف وجدانية. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *